“هانحن نبدأ عاماً جديداً… الالتفات للوراء أصبح ضياعاً للوقت”
“أرجوك لاتعقّد الأمور! فكرة تقييم عام بكامله مبالغٌ فيها، الحياة أبسط من ذلك”
هذه الخواطر قد تتبادر إلينا عند قراءة عنوان هذا المقال، لذلك في البداية يجب أن نسأل؛
لماذا قد نرغب بتقييم عامنا السابق؟
يحصل في بعض الأحيان أننا قد نغرق بالروتين اليومي للحياة دون النظر للوراء وإجراء تقييم وتصحيح للمسار، فالخطورة تكمن عند اكتشافنا -متأخرين- مرور عدة سنوات دون إجراء هذا التصحيح. ونتيجة لذلك، كثيرٌ من الأشخاص قد يمتلكون إمكانات ومواهب كبيرة، لكن روتين الحياة يقوم بإطفاء هذه الإمكانات أو “تخديرها” إلى أن يقتنع أولئك الأشخاص أنفسهم بأنهم وصلوا للسقف… ولايوجد أعلى من ذلك.
وعادةً ما يبدأ الانحراف صغيراً ويزداد توسعه، ولهذا من الضروري إجراء عملية تصحيح وتقييم كل فترة، فوجود هذه التقييمات والتصحيحات هو من سيوقظ الرقابة الداخلية ويعيد رفع السقف مجدداً ويعيد للشخص التحكم بزمام الأمور.
ولا مشكلة بالطبع وجود هذه الانحرافات -فهذا من سنة الحياة- لكن يجب العمل على العودة إلى المسار الصحيح بحكمة وبأقل خسائر ممكنة.
اقتبست الفقرة السابقة -بتصرف- عن مقالي في العام الماضي 2020 وما حمله لي من تجارب، لكنّي فضلّت أن أشارك طريقة تقييمي لهذا العام بدلاً من مشاركة تفاصيله، وذلك عبر طرح الأفكار التي وصلت لها حتى الآن وأصبحت أقوم بها لتقييم كل عام والتخطيط للعام القادم.
في الحقيقة، كلٌ منا لدينه منجم الذهب الخاص به، وأعني بذلك “الماضي” بالطبع. فالتنقيب عن الحكمة والدروس في هذا الماضي وإعادة استخدامها مرة أخرى في التخطيط للمستقبل هو أمر بالغ الأهمية.
يجب معاملة الماضي والمستقبل على أنهما كتلة واحدة، فوجود اتصال مستمر بين الماضي من خلاله تقييمه واستخلاص الدروس، والمستقبل عبر التخطيط له وإعادة استخدام هذه الدروس، يعطينا إمكانية التخطيط بأعلى فعالية ممكنة؛ وذلك لأن حلقة تعلمنا وتطورنا هي مستمرة دائماً مما يحمينا من الوقوع بحالات انحراف الخطط و “تخدير” الإمكانيات نتيجة الروتين اليومي.
إذا كنت توافقني الرأي بأهمية هذه الخطوة، لننتقل إلى السؤال التالي؛
كيف يمكننا ترتيب أحداث العام لنتمكن من تقييمها؟
يغلب على هذه الخطوة الطابع الشخصي، أي كلٌ منا لديه طريقته بسرد نقاط العام الحالي، أهم ما في الأمر هو أن تختار أو تبتكر طريقة تريحك وتبدو عملية بالنسبة لك. سأقوم بطرح طريقتي التي اعتمدت عليها لترتيب أحداث العام السابق، لعلها تضيء لك الطريق، ويمكن كذلك أن يكون لديك طريقة أفضل تشاركني بها فتنير لي طريقي.
رؤية تفاصيل العام في مكان واحد وترتيبها بطريقة منهجية هو أمر إيجابي وله فوائد كبيرة، فهناك نقاط لايمكننا رؤيتها أو استنتاجها إلا إذا أصحبت متسلسلة بطريقة عرض منهجية، ولذلك قمت باختيار منهجية STAR لهذا الغرض.
تفترض منهجية STAR وجود 4 نقاط أساسية تلخّص أي عمل قمنا به أو حدث كنا جزءاً منه. اسم الطريقة هو اختصار للكلمات الأربعة (Situation – Task – Action – Result) التي توصّف أي عمل أو حدث من خلال: تحديد الوضع أو الحالة قبل بداية العمل، ثم وصف العمل الذي قررنا تنفيذه، تليه خطوات العمل الفعلية، وأخيراً النتائج.
وجدتُ من المفيد أيضاً إضافة نقطتين على هذه المنهجية، ولتمييزها عن المنهجية الأصلية، أطلقت عليها اسم منهجية STAR المحسّنة (Improved STAR):
- Situation (الوضع): ماهو الوضع الحالي المتعلق بهذا العمل أو الحدث قبل بدايته.
- Task (المهمة): ماهو العمل الذي قررنا القيام به نتيجة الوضع السابق.
- Actions (خطوات العمل): ماهي خطوات العمل الفعلي التي قمنا بها لتحقيق المهمة (المساهمة الشخصية).
- Results (النتائج): ماهي النتائج التي أثمرت من هذا العمل.
- Mistakes (الأخطاء): ماهي النقاط السلبية التي وقعنا بها أثناء هذا العمل والتي نرغب بعدم تكرارها مستقبلاً.
- Intention (النيّة): ماهو القصد أو الهدف الذي قام من أجله هذا العمل، حيث يمكن أن تكون بعض الأعمال لغرض شخصي بحت، أو لغرض فائدة الأصدقاء، أو يمكن أن تكون أبعد من ذلك وتتعلق بأهداف أسمى تتخطى حدود الحياة الحالية. وجدت أن توضيح هذه النقطة وتحديدها هو من أكثر الأمور أهمية.
قمتُ باستخدام جدول لترتيب هذه النقاط بطريقة رسومية تسهيلاً للمرحلة القادمة، كما هو موضح في الصورة التالية:
يمكن أن يتعلق هذا الجدول بمشروع ما على أرض الواقع، مشروع شخصي، هواية ما، عمل تطوعي، وظيفة أو عمل في شركة، وكذلك الدراسة باختصاص ما (يمكن اعتماد السنة الدراسية مثلاً كحدث له ظروف وخطوات ثم نتائج وأخطاء).
كما يمكننا إضافة عدة جداول في العام الواحد، حيث يرتبط كل جدول بعمل أو حدث واحد فقط، وسنحصل في نهاية العام على عدة جداول سنستفيد منها لاحقاً بتحليلها واستخراج الدروس الثمينة منها.
ماذا عن الأعوام السابقة والأعمال التي استمرت لعدة أعوام؟
بعد الانتهاء من تلخيص الأعمال لعام واحد، وجدتُ أن بعضاً منها قد امتدّ لعدة أعوام، فأردت توسيع هذه الفكرة لتشمل عدة أعوام معاً مما يعطي إمكانية تحليلها بشكل أكبر، وكذلك لفتح الباب لتراكم هذه الجداول مع تقدم الحياة.
قمتُ بتعديل الجدول السابق ليحوي تاريخ بداية ونهاية كما هو موضح في الصورة التالية:
نأتي في النهاية إلى ترتيب هذه الجداول وتصنيفها داخل الأعوام، حيث اتبعت الطريقة التالية:
تعطي الطريقة السابقة إمكانية تموضع الجداول بمكانها الصحيح في الخط الزمني، مع إمكانية زيادة طول الشريط العلوي للجدول حسب الفترة الزمنية كما هو واضح في الصورة السابقة.
بالاعتماد على نفس المبدأ السابق، يمكننا تعبئة السنوات التي نرغب بتقييمها:
تسمح هذه الطريقة بإضافة عدد غير محدود من الأعمال (الجداول) عبر التوسع طولياً إلى الأسفل، مع احتوائها على كل الأعوام عبر التوسع أفقياً.
هناك أيضاً أفكار إضافية يمكن الاستفادة منها:
- يمكن تلوين الجداول لتصنيف الأحداث أو الأعمال، على سبيل المثال يمكن أن يكون اللون الأحمر متعلقاً بالنشاطات الدراسية، والأزرق للعمل، والأخضر للأعمال التطوعية والنشاطات الفكرية (سنستفيد من هذه الفكرة في التقييم لاحقاً).
- يمكن إضافة حقول جديدة على الجدول أو اختصار أياً منها.
- كذلك يمكن استخدام الحاسب (كما فعلت أنا) أو الورق لتنفيذ الفكرة السابقة.
ولتسهيل البداية، أرفق القالب الذي صممته شخصياً والذي يحتوي الجداول السابقة باستخدام برنامج Draw.io المجاني والمفتوح المصدر (شكراً لفريق Beetronix لتعريفي عليه في السنوات السابقة):
اتخذ القرار بالبداية الآن بأسلوبك الخاص!
وصلنا إلى الخطوة الأهم، كيف نقيّم أعوامنا السابقة؟
أذكر المفاجأة التي حصلت لي عندما انتهيت أول مرة من هذه الخطوة واكتشافي لأخطاء وقعت بها عدة مرات دون معرفة أنها تتكرر على مستوى الأعوام.
بعد تعبئة الأعوام وإدراجها ضمن خط الزمن، ستتوفر لديك إمكانيات لانهائية لدراسة هذه الأعوام والتعلم منها. هذه بعض الاقتراحات التي يمكنك الانطلاق منها:
- ارتباط الأعمال بالأهداف الشخصية: من خلال نظرة إجمالية على خط الزمن، حاول أن تتأكد من قوة الرابط بين الأعمال (الجداول) الموجودة لديك. في حال رؤيتك لكثير من الجداول المتنوعة التي لايجمعها أي هدف، يجب معالجة هذه المشكلة بشكل جدي. حاول كذلك أن تضع خطة للمستقبل من خلال تشكيل رابط واضح بين جداول الأعوام السابقة وخطتك في الأعوام القادمة.
- تنوع صحي لأصناف الأعمال: اقتصار خط الزمن لديك على جداول من لون واحد دائماً (أعمال من صنف واحد) هو مؤشر قد يدعو إلى الخطر إذا استمر لمدة طويلة. يجب عليك أن تحقق نوعاً من التوازن بين نشاطات الحياة (العمل – الدراسة – تنمية الفكر – التطور الذاتي – التطوع…).
- معدل تكرار الأخطاء: قم بتجميع كافة الأخطاء في الجداول السابقة، وحاول اكتشاف المتكرر منها. ستجد بالتأكيد نسبة لا بأس منها قد تكرر -وهذا أمر طبيعي- لكن يجب أن يكون لديك فكرة على الأقل أن تلك الأخطاء تتكرر بالفعل وماهي الأكثر تكراراً لمحاولة تقليص تكرارها مستقبلاً.
- النوايا والأهداف: بشكل عام، قد يكون لدينا مشكلة بعدم تحديد نوايا، أو بتحديد نوايا وأهداف خاطئة. حسب قناعتي الشخصية، يجب علينا أن نعمل على أنفسنا حتى تتوحد النوايا والأهداف في جميع الجداول، فعدم تحديد نوايا أو تحديدها بشكل عشوائي وغير صحيح هو أمر خطير في ميزان الآخرة.
- مدى التأثير: بعض الأعمال لها تأثير إيجابي على من حولك، وبعضها على نفسك فقط. حاول التمييز بين هذه الأعمال من خلال تحديد الجداول الأهم بالنسبة لك، وربطها بالأهداف التي لديك بالمستقبل. لامانع بالطبع من وجود كلا هذين النوعين، لكن اقتصار الجداول جميعها على نوع واحد قد يكون غير صحي على الأمد الطويل.
- ماهي الاقتراحات التي لديك؟ مهتم جداً لسماع اقتراحاتك وتجاربك الشخصية حول هذا الأمر.
ها أنا ذا رويتُ في هذا المقال ماوصلت إليه بتجربتي، وبكل تأكيد سيكون لديك أسلوبك الخاص في تجربتك.
قد يخطر لك في نهاية الأمر أن البدء بهذه الفكرة سيستغرق وقتاً لا بأس به، وهذا صحيح بالفعل، لكنه استثمار شخصي ناجح ويستحق المجهود، مع الأخذ بعين الاعتبار إمكانية اختصاره بالطريقة التي تناسبك لكي تبدأ/تبدئي بشكل سريع حالياً ثم تتطور لاحقاً.
نصيحتي أن تكون البداية بالطريقة التي تفضلها/تفضلينها وبأهم النقاط التي لديك في العام الحالي والاستمرار في هذه الفكرة خلال الأعوام القادمة، ويمكن لاحقاً العودة إلى الوراء بشكل تدريجي – إن احتاج الأمر – وفقاً للوقت المتاح لديك.
استمعتُ بشكل كبير أثناء كتابتي لهذا المقال، راجياً أن يكون مفيداً أو ينير شعلة جديدة لديك تدفعك للمسير قدماً في هذه الحياة.
كما أقدّر بشدة اهتمامك ووصولك إلى هنا. و تذكر/تذكري دائماً أنه لا وجود للسقف!
كل التمنيات بالتوفيق الدائم.
أسلوب مبسط و سلس في ترتيب الافكار….تشكر على المقال
Exquisite 👌👌🔝
يسلم دياتك مقال غني جداً من شخص ناجح وقدوة متلك..أنا معك أنو ما لازم نذكر أهداف المستقبل بس الاشيا الي وصلناها دائما كنت فكر هل لازم البقية يعرفوها هل لازم طبق فكرة “إن الله يحب أن يرى أثرَ نعمته على عبده” أو “وأما بنعمة ربك فحدث” هل أنا بمكان ضمن العائلة أو وسطي قدوة فلازم شاركن إنجازاتي بدون ما أنطر أي إطراء منن لان أصلاً لو كان هاد الشي هو الهدف كنت خبرتن أول بأول وما نطرت لأخر السنة.. دايماً بسأل حالي نفس السؤال هل لازم يعرفوا أماني وين صارت هل لازم يعرفوا أنا شو عم اعمل لحتى شجعن أو هاد الشي رح يدخِل الرياء لقلبي..
يسلمو ايديك مهندسنا الماستر يمان
كلام رائع ومفيد وبخلينا نرجع نقيم المسار يلي عمنمشي فيه
الله يعطيك العافية يارب
تُشكر أخي يمان على مشاركتك لهالطريقة في تقييم الأعمال .. صراحة ذكرتني بــ”علي محمد علي” على اليوتيوب ^_^
عندي اقتراح برأيي يسهل تنظيم كثير من الأعمال ذات الأهمية العالية والمتكررة والمرتبطة بأزمنة مختلفة ألا وهي تنظيم الجدول وفقاً للأعوام القمرية
“إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً…”
تقبل تحياتي
شكراً صديقي طارق على الاقتراح السابق، أضفت قائمة تشغيل اليوتيوب السابقة إلى خطتي لمتابعتها.
بالنسبة لتنظيم الجدول اعتماداً على الأعوام القمرية، فهي فكرة خطرت لي بالطبع، لكني وجدت أن الأعوام القمرية غير مرتبطة بفصول السنة، وهذا سبب إشكالية لي، لأن تقييمي يكون بالعادة في منتصف الصيف (الشهر الثامن) لعدة اعتبارات شخصية.
في نهاية الأمر يمكن اعتماد أي تقسيم زمني مناسب وفقاً لكل شخص، المهم هو أن يختار الشخص ماهو فعال بالنسبة له.
أشكرك مجدداً على مرورك طارق، لك أطيب التحيات.